عاجلمقالات

التسامح بقلم عبير الحسيني

 

 

 

 

بقلم ؛عبير الحسيني

 

«التسامح» خلق رفيع دعا إليه الإسلام بنصوص القرآن والسنة، وقد جسد النبى صلى الله عليه وسلم أعظم درجاته، فقد كان لينا سمحا مع الجميع: أنصاره وخصومه، والمسلمين وغير المسلمين، وما غضب لنفسه قط. وفى الوقت الذى التسامح ركيزة دينية وإنسانية، لتحقيق السلام والتعايش الآمن ونبذ الأحقاد والكراهية، وأنه خلق تسعد به الأمم وتأتلف المجتمعات.

 

دعوة الإسلام ترتكز بالأساس إلى التسامح، لذا أنزل الله على حبيبه صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن أظهره على أعدائه ـ قوله تعالى :(لَّايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). ويضيف: لما كان الإسلام يدعو إلى الايمان بكل الشرائع السماوية فى قوله تعالي: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم يأمره ربنا بالسماحة مع الشرائع السابقة قائلا :«قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ». وقال أيضا :«قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين».

 

من هنا نبعت سماحة النبى صلى الله عليه وسلم ـ من نور القرآن العظيم، ألم يأمره ربنا بالصفح عن أعدائه بقوله: « فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون»، فالله تعالى يقول ـ لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ جوابا له عن دعائه إياه، إذ قال: «يارب إن هؤلاء قوم لايؤمنون»: فاصفح عنهم يامحمد، وأعرض عن أذاهم، وقل لهم: سلام عليكم».

 

ويتابع: سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: أى الأديان أحب إلى الله؟ قال: «الحنيفية السمحة». وكان يمتدح العافين من أصحابه على الملأ، للتأسى بهم، فقال: «أيعجز أحدكم أن يكون كأبى ضمضم كان إذا خرج من منزله قال: اللهم إنى تصدقت بعرضى على عبادك». وقال صلى الله عليه وسلم «: من كظم غيظا، وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا».

 

ما أحوجنا إلى أن نستعيد تاريخ التسامح الدينى بين البشر حتى يعم السلام بين أبناء العالم كله.

 

: حينما نتأمل آيات القرآن الكريم نجد أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصفح الجميل والصبر الجميل والهجر الجميل فقال تعالي:

«فاصفح الصفح الجميل»، وقال: «فاصبر صبرا جميلا» وقال: «واهجرهم هجرا جميلا». وهذا يعنى أن الإنسان لابد أن يكون جميلا فى كل أحواله، صابرًا محتسبا، راضيا قنوعا، متسامحا، متصالحا مع نفسه ومع من حوله.. وما أجمل أن يبلغ هذا التسامح من أساءوا إليه فقال تعالي: «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».

 

ما أحوجنا إلى التسامح بين الزوجين حتى تعم السعادة أرجاء الأسرة والمجتمع، والتسامح بين الأصدقاء، وبين زملاء العمل، وبين الجيران ليتنا نتسامح ويتنازل البعض عن حقوقه فى سبيل إعادة روح المودة داخل وخارج الاسرة، وما أحوجنا إلى العفو والصفح حتى نكون أهلًا لعفو الله يوم لقاء الله.

 

التسامح قيمة إنسانية كبري، فضلا عن كل القيم التى جاءت بها الرسالات السماوية، لأن التعددية والاختلاف بين البشر فى الأديان والثقافات واللغات والمعتقدات والأفكار والآراء إرادة إلهية، لذا فإن التعايش السلمى لا يتحقق إلا بالتسامح.

 

الأفكار المعادية للدين وللوطن بل للانسانية كلها، التى تروج لها الجماعات المتطرفة التى تنشر أفكارا زائفة مناقضة للتسامح، تستهدف إحداث خلل فى تربية النشء، وترسيخ مفاهيم خاطئة فى أذهانهم وإيهامهم بأن التسامح ضعف، والعفو خنوع ومذلة، ومنها تكفير الآخرين المخالفين لجماعتهم، والدعوة إلى إبادة الآخر الذى لا يتفق مع أفكاري.

 

يجب تضافر جميع الأجهزة والمؤسسات لنشر حقيقة الدين الاسلامى بل الأديان السماوية كلها وغرسها بدءًا من الطفولة، مع جعل الدين مادة أساسية فى المدارس، وضرورة التفريق بين التسامح المرغوب فيه، وبين التهاون فى الحق الذى ينم عن ضعف صاحبه وقلة حيلته، فالإسلام لا يقر الضعف والاستكانة والتفريط فى الحقوق، فالمسلم يجب أن يكون عزيزّا قويًا مستمسكًا بالحق غير متخاذل ولا متقهقر، فليس من خلق التسامح أن أتسامح مع من يهين دينى أو يزدرى وطنى أو عروبتي.. هنا يكون التسامح ضعفًا يستوجب الرد للحفاظ على قيمة الدين والوطن والإنسان.

 

ثقافة التسامح فى واقعنا ومجتمعاتنا فوائد عظيمة أهمها: إزالة الأمراض النفسية من الحقد والحسد والكراهية وقطع الطريق على العنف والجريمة ونبذ التشدد والتطرف والإرهاب. ونشر ثقافة المحبة والمودة والتعاون والإيثار والشعور بالسلام الداخلى والصفاء النفسى والسعادة.

 

لو شاعت ثقافة التسامح لصارت مجتمعات المسلمين مراكز إشعاع أخلاقى وقيمى وثقافى تنير العالم كله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock